بطولات
وتضحيات في يوم غزوة أحد:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ
كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشُجَّ،
فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ
وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ
بِالدَّمِ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}".
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ
يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ
وَكَانَ
أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ القِدِّ، يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ
أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ،
فَيَقُولُ: «انْشُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ». فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى القَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ
سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ
أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا،
تُنْقِزَانِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ،
ثُمَّ تَرْجِعَانِ، فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي
أَفْوَاهِ القَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ
السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا.
خطورة
الشائعات:
أُشيع بين الصحابة- رضي الله عنهم- أن رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- قد قُتل، فاغتم المسلمون غمًّا على غمهم، وحزنًا على حزنهم، وتولى
بعضهم إلى المدينة وانطلقت طائفة فوق الجبل، واختلطت على الصحابة أحوالهم فما
يدرون كيف يفعلون. كما قال تعالى: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} وقال تعالى: {وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ
أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى
عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
" وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى
الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا
وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}.
بيان
فضل أهل أُحد الذين أصابتهم الجراح:
قال تعالى:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ
بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا
أَجْرٌ عَظِيمٌ}:هذا كلام مستأنف؛ سيق لبيان فضل أهل أُحد: الذين أصابتهم الجراح
وأثخنتهم. ولكنهم استجابوا لدعوة الله ورسوله؛ ليرهبوا المشركين، حتى لا يحملهم ما
حسبوه نصرًا في المعركة، على الذهاب إلى المدينة. ليتموا نصرهم على المسلمين.
رُوِي أن أبا سفيان وأصحابه، لما انصرفوا من أُحد، فبلغوا
الروحاء: ندموا وهموا بالرجوع، فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فأراد
أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة. فندب أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان.
وقال: "لا يخرجنَّ معنا إلا من حضر يومنا بالأمس" فخرج- صلى الله عليه
وسلم -، مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال. وكان
بأصحابه القرح، فتحاملوا على أنفسهم، وألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين.
فذهبوا، فنزلت الآية.
عزة أهل الإيمان
وقف أبوسفيان يشمت بالمسلمين، ويفخر بآلهتهم وجعل ينادي: أفي
القوم محمَّد؟ فقال- صلى الله عليه وسلم-:
"لا تجيبوه" فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال-
صلى الله عليه وسلم-: "لا تجيبوه" قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال أبو
سفيان: لقد قتل هؤلاء- لتعلموا أنهم قد جاءوا للقضاء على محمَّد- صلى الله عليه
وسلم- وعلى كبار الصحابة- فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت عدو الله لقد أبقى الله لك
ما يخزيك. فقال أبو سفيان: أُعلُ هبل. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:
"أجيبوه" قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل.
قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عُزى لكم. فقال النبي- صلى الله
عليه وسلم -: "أجيبوه" فقالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا:
"الله مولانا ولا مولى لكم".
مكانة أهل القرآن الكريم: عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ
عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مَنْ أُصِيبَ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَصَابَ النَّاسَ جِرَاحَاتٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا، وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ
وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ، وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا».
فضل حسبنا
الله ونعم الوكيل
لما انتهى أبو سفيان إلى
مكان بعيد عن المدينة لقيه رجلٌ. فقال: هل أنت مُبلِّغ عني محمدًا ولك كذا وكذا؟
قال: نعم فقال: أخبر محمدًا أنا راجعون إليهم لنستأصل بقيتهم ونسبي نساءهم
وذراريهم، فلما بلغ الخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قالوا:
"حسبنا الله ونعم الوكيل". يقول ابن عباس- رضي الله عنهما- "حسبنا
الله ونعم الوكيل"، قالها إبراهيم- عليه السلام- حين ألقي في النار، وقالها
محمَّد- صلى الله عليه وسلم- حين قال لهم الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا
لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ}
بدء المعركة:
تَقدَّم حاملُ لواء
المشركين طلحة بن عثمان، فقال:
يا معشر أصحاب محمد، إنَّكم تزعمون أن الله
يُعجِّلنا بسيوفكم إلى النار، ويُعجِّلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجِّله
الله بسيفي إلى الجنة، أو يعجِّلني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه عليُّ بن أبي طالب
رضي الله عنه وبارزه فقطع رِجلَه، فسقط وانكشفت عورته، فقال طلحة:
أَنشُدك الله والرَّحِم يا بن عم، فتركه عليٌّ،
فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لعلي:
(ما منعك أن تُجهِز
عليه؟)، قال: ناشدني الله والرَّحِم فكففتُ عنه، ثمَّ شدَّ الزبير بن العوام
والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل جيش النبي صلى الله عليه وسلم على
جيش أبي سفيان فهزموه، وحمل خالد بن الوليد قائد خيل المشركين على المسلمين فردَّه
الرُّماة، وما هي إلا جولة حتى فرَّت قريش ووصل المسلمون إلى قلب عسكرها، ورأى
الرُّماة فرارَ جيش المشركين وانتهاب معسكرهم فقالوا: بادروا إلى الغنيمة، فقال
بعضهم: لا نترك أمرَ رسول الله، وانطلق عامَّتُهم فلَحِقوا بالعسكر، فلمَّا رأى
خالد قلَّةَ الرماة، انعطف بخيله عليهم، وقتَل الرماةَ، ثمَّ مال إلى المسلمين
يُقاتِلهم، ولما رأى المشركون خيلَهم تُقاتِل عادوا ودارت الدائرة على المسلمين.
حوادث في
المعركة:
أعطى النَّبي صلى الله
عليه وسلم سيفَه لأبي دجانة بحقِّه، وحقُّه أن يضرب به في العدو حتى ينحني.
قال الزبير رضي الله
عنه: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب؛ إذ مالت الرُّماة إلى المعسكر حين
كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلَّوا ظهورنا للخيل، وصرخ صارخٌ ألا إن محمدًا قد
قُتل، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد
من القوم؛ وهذا دليل على هزيمة المشركين في بَدء المعركة.
1-وفي هذه المعركة أجهز
عليٌّ رضي الله عنه على حملة الألوية من المشركين، وأبصر رسول الله صلى الله عليه
وسلم جماعة من مشركي قريش، فقال لعليٍّ: ((احمل عليهم))، فحمل عليهم وفرَّق جَمعَهم،
وقتل منهم عمرو بن عبدالله الجمحي، وأبصر آخرين، فأمره أن يَحمل عليهم، فحمل عليهم
وقتل منهم شيبة بن مالك.
2-وقَتل حمزةُ عددًا من
المشركين، وكان يترصَّد له وَحشي ليَجِد منه غِرَّة فيرميه بحربته، وبينما كان
حمزة منهمكًا في قتال سباع بن عبدالعزى وأجهز عليه إذا بوحشي يهزُّ حربتَه ويقذفه
بها، فتأتي في مكان قاتل، ويحاول حمزة أن يسير إلى وَحشي ليقتله لكنَّه سقط شهيدًا
رضي الله عنه.
3-وفيها أُصيبَ رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم، فكُسرت رباعيته
، وشُجَّ رأسه، وكُلِم
في وجنته.
4-وفيها أقبل أُبي بن خلف
على فرسه وهو يَصرُخ: أين محمد؟ لا نجوتُ إن نجا، فقال المسلمون:
يا رسول الله، أيعطف
عليه رجل منَّا؟ قال: (دعوه)، فلمَّا دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحربةَ من الحارث بن الصمة، ثمَّ استقبله فطعنه في عنقه طعنةً تدحرج منها عن فرسه
مرارًا.
وصعد المسلمون الجبلَ
مع رسول الله، وأراد المشركون صعودَ الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
ينبغي لهم أن يَعلونا)، فقام المسلمون ورموهم بالحجارة حتى أنزلوهم، وقال أبو
سفيان: يوم بيوم بدر.
وفيه مَثَّل المشركون
بعدد من المسلمين القتلى؛ ومنهم حمزة رضي الله عنه، فجدعوا الأنوف، وقطعوا الآذان،
وبقروا البطون، وكان حصيلة القتلى من المسلمين سبعين شهيدًا، وحصيلة القتلى من المشركين
اثنين وعشرين قتيلًا.
ولم يكن الصحابة يدرون ما يفعلون من هول الفاجعة، وجلس بعضهم
منتحيا بعيدا عن ميدان القتال، وآثر أخرون للشهادة، وفي ذلك جاء قوله(إذ تصعدون
ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم )
موقف الفئة
التى فرت:
وقد نص القرآن الكريم على أن الله تعالى قد عفا عن تلك الفئة التي
فرت بعد سماع نبأ مقتل النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي شاع، وقال تعالى { إن
الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا}
وقد مر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار،وهو يتشحط في دمه، فقال:
يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بلغ،
فقاتلوا عن دينكم.
بداية
الهجوهم المعاكس:
ابتدأ الهجوم المعاكس من المشركين خلف المسلمين والهدف فيه شخص
النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حصروه وليس معه إلا تسعة من أصحابه واستشهد
الأنصار في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا بعد الآخر، وقاتل عنه
طلحة بن عبيد الله حتى أثخن وأصيب بسهم شلت يمينه، وقاتل معه سعد بن أبي وقاص وكان
النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم يناوله النبال ويقول »ارم يا سعد، فداك أبي
وأمي«وقاتل بين يديه أبو طلحة الأنصاري أحد أمهر الرماة، وقال عنه »لصوت أبي طلحة
في الجيش أشد على المشركين من فئة«، وكان يفدي الرسول بنحره.
كان عتبة بن أبي وقاص الزهري قد استطاع أن يصل للرسول الحبيب صلى
الله عليه وسلم ويكسر خوذته فوق رأسه الشريف فيما تمكن المشرك عبد الله بن شهاب
الزهري من إحداث قطع بجبهته وتمكن عبدالله بن قمئة الليثي الكناني من كسر أنفه،
فانطلق إليه أبو دجانة وانحنى عليه يقع النبل في ظهره، والتف حوله أبوبكر، ووقفت
نسيبة بنت كعب تذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وترمي بالقوس وأصيبت
بجراح كبيرة، وقد بشرها النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقام أبوعبيدة
بنزع السهمين من وجه النبي صلى الله عليه وسلم بأسنانه، وتوافد قتادة وثابت بن
الدحداح وسهل بن حنيف وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام.
وقد كان قتادة بن النعمان يتقي السهام بوجهه دون وجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم فكان آخرها سهما ندرت منه حدقته فأخذها بيده وسعى بها إلى رسول
الله فردها وكانت أحسن عينيه
وقد رأى سعد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل معه رجلان
عليهما ثياب بيض كأشد القتال، وفي رواية يعني جبريل وميكائيل.
في هذه الأثناء كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتابع صعوده في
شعب الجبل متحاملا على طلحة والزبير، وقد قتل حاطب بن أبي بلتعة، المشرك عتبة
بن أبي وقاص الذي اعتدى على النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو شقيق الصحابي
الجليل سعد بن أبي وقاص، وشتان بينهما، وقد سعى سعد لقتله أيضا.
الدروس
المستفادة من الغزوة ما يلي:
1-المنافق أشد خطرًا على الإِسلام والمسلمين من غيره؛ لأنه لا
يَظهَرُ ولا يُعْرَفُ، فقد فضحهم الله في كتابه وحذر المؤمنين منهم. فقال تعالى عن
المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى
يُؤْفَكُونَ}.
2-النصر يكون مع الصبر والاعتصام والطاعة لله ولرسوله- صلى الله
عليه وسلم -، وأن الخذلان يكون مع الاستعجال والتفرق والتنازع والمعصية
لله ولرسوله- صلى الله عليه وسلم -. قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ
وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ
فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ
مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ
عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ}
3-بالطاعة لله ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- ننتصر على أعدائنا،
وبالمعاصي ننهزم، ولذلك جاء الإِسلام يأمر بالطاعة لله ولرسوله- صلى الله عليه
وسلم -، ويحذر من المعاصي لأن المعاصي سبب الخذلان. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا
تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ} ولذلك لما تعجب
المسلمون مِنَ الذي أصابهم في غزوة أحد، أخبرهم الله -عز وجل- أن المخالفة التي
وقعت من الرماة هي السبب، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ
أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
4-بمخالفة واحدة وقعت من بعض الرماة في غزوة أحد؛ نزل ما نزل
بالمسلمين، فما بالنا بالمخالفات الكثيرة التي تقع من الأمة في هذا الزمان.
5-وضوح خطورة الدنيا وضرورة الحذر منها: وقد رأينا مصيبة الدنيا في
أحد حين قال الصحابة: الغنيمة الغنيمة.
6-تبين للمسلمين بعد غزوة أحد، أن من سنة الله وحكمته في رسله
وأوليائه وأحبابه، أن يُدالوا مرة، ويُدالُ عليهم أخرى، لكن تكون لهم العاقبة. قال
تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
7-تبين للمسلمين أنه إذا مات الرسول بقيت الرسالة، وإذا مات الداعية بقيت الدعوة، وأنه يجب على المسلم أن يموت على الإِسلام والتوحيد، سواء مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو بقي فقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ).
بعض الصحابة الذين فازوا بالشهادة في غزوة أحد:
سيد الشهداء حمزة بن
عبد المطلب، أنس بن النضر- رضي الله عنه، عبد الله بن حرام، والد جابر بن عبد الله
-رضي الله عنهما، عمرو بن الجموح- رضي الله عنه، عبد الله بن جحش- رضي الله عنه،
وحنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه( غسيل الملائكة رضي الله عنه وأرضاه). ولقد عزى
الله نبيه وأولياءه في شهدائهم الذين قتلوا يوم أحد، أحسن عزاء وألطفه وأبره، فقال
تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا
بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ
خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) عن مسروق قال: سألنا ابن مسعود- رضي الله عنه- عن هذه الآية فقال: أما إنا
قد سألنا عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: "أرواحهم في جوف طير
خضرٍ، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل،
فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من
الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لم يتركوا مِن أن يسألوا
قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما
رأى أن ليس بهم حاجة تركوا" .
آيات
نزلت في أعقاب الغزوة
: أنزل الله -عز وجل- قرآنا يتلى
إلى يوم القيامة، يمسح به جراحات المسلمين ويزيل به عنهم ما أصابهم في غزوة أحد،
فقال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ* هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ
وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ* وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ
الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ
الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ
لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ
الْكَافِرِينَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ
اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، وإن الذي يقرأ
الآيات الستين التي نزلت في سورة آل عمران تتحدث عن غزوة أحد، يرى أن الله تبارك
وتعالى تخللها بنداء على المؤمنين يحذرهم فيه من أكل الربا، قال تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي
أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ}؛ فكما يجب أن تخلص النوايا من كل الشوائب، يجب أن تخلص الأموال التي
تنفق في الجهاد من كل الشوائب، وفي مقدمتها الأموال الربوية؛ فهي من الموبقات أو
المهلكات.
ولقد استفاد المسلمون الأولون مما نزل عليهم من عند ربهم في
شأن غزوة أحد استفادة عظيمة، فما هزموا بعدها؛ لأنهم أخذوا منها العبر والعظات
وتجنبوا أسباب الهزيمة والخذلان، فكان النصر حليفهم بفضل الله. {وَمَا النَّصْرُ
إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ )
مع تمنياتى بحب الله ورسوله