أخر الاخبار

حملة محمد علي على الوهابيين

 

حملة محمد علي على الوهابيين

 

تجهيز الجيش:

قبل أن يعدَّ محمد علي حملته على بلاد العرب كاتَب شريف مكة، ولما وثق من موالاته له، وعلم أنه لم ينقد للوهابيين إلا كرهًا، جهَّز جيشًا عظيمًا يبلغ  من الألبانيين، وأرسله بطريق البحر الأحمر في أسطول أعدَّه لهذا الغرض، كان يصنع سفنه قطعًا مفككة بالقاهرة، ثم يرسلها إلى السويس على ظهور الإبل لتركَّب هناك، وقد أفاد من هذا الأسطول فائدة عظيمة؛ إذ به يمكنه أن يسيطر على جميع ثغور العرب، ويصبح في قبضته كل التجارة وطرق الحج إلى بيت الله الحرام.

نزلت هذه الحملة في ثغر "ينبُع" بقيادة ابنه طوسون، فلم يلقَ بها أدنى مقاومة؛ لأن شريف مكة "غالبًا" سلَّمها طوع إرادته؛ ومن ثَمَّ سار نحو المدينة. وكان العدو قد كمن له، فتغلب في طريقه بعد مناوشات خفيفة على قريتَي "بدر" و"الصفراء"، إلا أن العدو بيَّته عند "الجُدَيدة" في درب ضيق جدًّا وكاد يقضي على كل الجيش، فلم يبقَ منه إلا  جندي التجَئُوا إلى ينبع بعد أن أنهكهم التعب، وهرب بعد هذه النكبة كل الألبانيين، فلما علم محمد علي بذلك استشاط غضبًا وأنَّب "صالح قوج" رئيسهم على تخاذلهم وما أظهروه من الجبن. وكان يريد الفتك بصالح قوج، لولا ما له عليه من المآثر خصوصًا بلاءَه في حادثة القلعة، فاكتفى بنفيه من مصر مع مَن هرب معه مِن الألبانيين بعد أن أجزل لهم العطاء. وكان يعتقد أنه لا يهدأ له بال ما دامت هذه الفئة الثائرة المتمردة في داخل البلاد.

حملة محمد علي على الوهابيين


أرسل محمد علي مددًا إلى طوسون بطريق القُصَير، فسار به نحو المدينة، ودخلها عنوة بعد أن دوَّخ الوهابيين؛ وكانت هذه ضربة قاضية على سعود الثاني، وابتدأ المذهب الوهابي يتدهور بعض الشيء، ثم ذهب طوسون توًّا إلى مكة بطريق جدة، فلم يلقَ إلا الإكرام من شريف مكة وسلَّمه مفاتيح الكعبة، فأرسلها طوسون هي ومفاتيح الحجرة الشريفة إلى والده، فأرسلها إلى الباب العالي يبشره برجوع الحرمين إلى حوزته. وأراد بعد ذلك طوسون أن يقتفيَ أثر الأعداء في داخل البلاد؛ فهزمه الوهابيون شرَّ هزيمة عند "طَرَبة"، وهي بلد صغيرة في شرقي مكة وعلى مقربة منها. وكانت خسائر هذه الهزيمة عظيمة جدًّا، حتى إن سعودًا زحف بجيشه على المدينة ثانية وهددها بالأخذ عنوة.

تولى ادارة الجيش:

ولما وصل خبر هذه النكبة إلى محمد علي، عزم على أن يتولى قيادة الجيش بنفسه، فأخذ العُدَّة لذلك، وتوجَّه إلى الأقطار الحجازية، ولَمَّا وصل هناك أدى فريضة الحج، ثم علم من بعض الأفراد أن الشريف غالبًا مذبذب في ولائه، فاحتال في القبض عليه بواسطة طوسون ابنه، وأرسله إلى القسطنطينية حيث قُتل هناك بعد مدة وجيزة.

ثم ابتدأ محمد علي بعض مناوشات مع الوهابيين لم تكن فاصلة، وكان كلا الفريقين يخاف منازلة خصمه.

وفي أوائل مات سعود الثاني، وبموته فقد الوهابيون أعظم ساعد وأكبر بطل، بلغت في مدته دولتهم شأوًا بعيدًا لم تبلغه من قبلُ ولا من بعدُ؛ فإن عبد الله ابنه الذي خلفه كان أقل منه ذكاءً وفروسية وقدرة. وكان آخر ألفاظٍ فاه بها سعود يوصي بها ابنه الأكبر: "يا عبد الله، لا تدخل في حرب مع الترك في ميدان مكشوف أبدًا، والزم أنت وعساكرك في حربهم المواقع الصعبة حتى لا يتيسر لهم النصر، وخذ لنفسك الحذر، ولا رادَّ لقضاء الله وقَدَره." ولو اتبع عبد الله هذه النصيحة لَمَا تغلب عليه المصريون قط، إلا أنه خالف والده، والتحم مع محمد علي في أول واقعة عند "بَيْصل" حيث دارت الدائرة فيها عليه، وذلك.

هرب نابليون من منفاه في "إلبا:

ثم حصلت حوادث في هذه الفترة اضطَرت محمد علي أن يرجع إلى مصر، منها أنه لما علم بهرب نابليون من منفاه في "إلبا"، وتوقع احتمال غزو الترك للبلاد المصرية، رجع مسرعًا بطريق القصير فقنا، ووصل القاهرة في اليوم الذي جرت فيه موقعة "ووترلو". ومنها أنه علم أيضًا بتدبير مؤامرات على عزله وقتله، وظن أن ذلك بإيعاز من رجال الباب العالي، أما رئيس المؤامرة فهو "لطيف باشا" أحد المماليك، وكشفَ سر هذه المؤامرة "الكخيا لاظ أوغلي باشا"، فقتل لطيفًا ومن معه بعد أن حاول الهرب والاختفاء، وكان غرضه أن يكون واليًا على مصر إذا نجح في قتل محمد علي.

وعند عودة محمد علي همَّ بتنظيم جيشه على الطراز الغربي، فأبى عليه ذلك الجند، مقلِّدين الأتراك في ذلك، ولما علم طوسون بتلك الفتن والقلاقل من جهة، وتألُّب الجيش عليه من جهة أخرى عاد مسرعًا إلى مصر، وتُوفِّي بالإسكندرية عقب مرض لم يمهله أكثر من عشر ساعات.

عقد شروط صلح مع الوهابيين:

وكان قبل سفره قد عقد شروط صلح مع الوهابيين، إلا أنهم نبذوها ظهريًّا؛ ولذلك جهز محمد علي حملة أخرى إلى بلاد العرب بقيادة ابنه إبراهيم باشا. ولم يسلك إبراهيم طريق السويس، بل نزل في النيل بجنده - في سفن أُعدت لذلك الغرض - إلى قنا، ومن ثَمَّ على ظهور الإبل إلى القصير، ثم إلى ينبع، ومنها إلى طريق المدينة المنورة.

قد أعمل الفكرة ذلك البطل العظيم في استنباط الخطط الحربية التي وقَّفته بين صميم عظماء الرجال ومشاهير القوَّاد، وأعانه على تنفيذ تلك الخطط مَهَرة الضباط والمهندسين الفرنسيين، على أن والده قد أوصاه أن يحارب كل قبيلة معاضدة للعدو على انفرد؛ ليكون بذلك أقدر على الفتك بجنودها، وتفريق كلمتها وتمزيقها شرَّ ممزق، كما نصح له ألا يتوغل داخل البلاد، وحذَّره من الإغارة على الدرعية من طريق غير طريق المدينة المنورة؛ ليحفظ لنفسه خط الرجعة، وليكون وصول المدد إليه من السهولة بمكان. وأول موقعة الْتَحم فيها جيشه مع الوهابيين كانت عند "الريْس" ، وفي هذه الملحمة انهزم جيشه هزيمة لم تَثْنِ من عزمه، ولم تَفُتَّ في ساعده، بل استمر سنة كاملة في كفاح وجلاد، حتى ذلل كل صعوبة اعترضته في هذا المضمار؛ ولذلك أخضع قرًى كثيرة، وصار قاب قوسين أو أدنى من الدرعية حاضرة الوهابيين، وهي على بعد  ميل من المدينة المنورة التي اتخذها قاعدة لأعماله الحربية.

وابتدأ إبراهيم باشا في حصار الدرعية:

فمكث مدة يعالج فتحها وهو مستعصٍ عليه، وفي غضون ذلك انفجر مخزن ذخيرته فلم تفتر همته ولم يساوره اليأس؛ لأنه كان على يقين من استياء العالم الإسلامي أجمع من فظاعة الوهابيين، هذا إلى أن تلك الحروب في الحقيقة كانت حربًا بين العنصرين التركي والعربي، وكلاهما يود لو يضعف الآخر أمامه، فيميل عليه ميلة واحدة يكون فيها القضاء المبرم عليه.

 

عبد الله سعود في سرادق إبراهيم باشا:

بعد ذلك أخذ إبراهيم باشا يمد يد التخريب والتدمير في ضواحي مدينة الدرعية، ليحول بينها وبين المؤنة والمدد؛ وبذلك اضطُر عبد الله إلى الخضوع والاستسلام لسيطرته وسلطانه، فسلَّم نفسه. ولم يعامله إبراهيم باشا إلا بكل كرامة وإحسان، ثم أرسله إلى والده بالقاهرة فبالغ في إكرامه أيضًا، ثم أرسله إلى الباب العالي بعد أن استرد منه كل ما سلبه من الحرم الشريف، وبعد وصوله بزمن يسير أُمر به فقُتل. فلما بلغ أهل الدرعية مقتله هاجوا وماجوا، وانتثر عقد نظامهم؛ ولذلك أرسل محمد علي في طلب قرابة عبد الله إلى القاهرة، وأجرى عليهم وظائف تقوم بمعاشهم.

أما مدينة الدرعية فأصبحت أثرًا بعد عين؛ لأن إبراهيم باشا رأى بقاءها عامرة حجر عثرة في طريقه، ولو تركها من غير تخريب لكانت ركنًا مكينًا ومعقلًا حصينًا لأعدائه، فلم يُبقِ عليها لذلك، وساعده على تخريبها الأهالي أنفسهم، تقرُّبًا إليه واسترضاءً له.

هكذا انتهت الحروب في بلاد العرب بعد القضاء على سلطة الوهابيين، الذين كانوا يدَّعون أنهم يسعَوْن في سبيل استرداد مجد الإسلام الضائع.

فتح السودان:

بعد أن تم النصر المبين لمحمد علي وقضى على الوهابيين القضاء المبرم، واستأصل شأفتهم من بلاد العرب، عنَّت له حاجة شديدة إلى فتح السودان، وضمه إلى سلطانه ونفوذه؛ وذلك لأسباب سياسية ومادية.

أما الأسباب السياسية فتُلخَّص فيما يأتي: لَمَّا قضى محمد علي على دولة المماليك في مذبحة القلعة هرب أناس كثيرون منهم واعتصموا بالوجه القبلي، فطاردهم إبراهيم باشا حتى اجتازوا الحدود المصرية، وتحصَّنوا في دنقلة وأقاموا بها القلاع والحصون، وقد احتال محمد علي في القبض عليهم والإيقاع بهم فلم يفلح.

هذا إلى أن جنده الألبانيين كانوا خطرًا عليه في كل وقت؛ لأنهم كانوا لا يُنزلونه من أنفسهم إلا منزلة فرد منهم، وكان الضباط يشقُّون عصا طاعته ويأتمرون فيما بينهم ليُسقطوه، ولم يذعنوا للإصلاح الذي أدخله في الجيش؛ ولذلك كان يصدِّرهم في مقدمة الجيش عند الالتحام ليبيدهم ويقضيَ عليهم فيربأ بنفسه عنهم، ويستبدل بهم أبناء السودان - الذين شبوا على الشجاعة والصبر ومقاومة أعباء الحروب - بعد تدريبهم على الفنون الحديثة الحربية؛ لأنه اعتقد أن أبناء مصر لا يصلحون للتجنيد لما ينقصهم من الصفات التي تؤهلهم لذلك.

أما الأسباب المادية فتُلخَّص أيضًا فيما يأتي:

 أراد محمد علي فتح السودان ليتسنى له بذلك تجديد طرق القوافل التي كانت بين مصر والسودان؛ فيتسع نطاق التجارة بين القطرين، ويناله من هذه التجارة ما يفرضه عليها من ضرائب ومكوس جمة، حتى يسترد ما أنفقه في محاربة الوهابيين، ويكون ذلك موردًا دائميًّا من موارد خزانته، فضلًا عما كان يسمع عن السودان وما فيه من مناجم الذهب الغنية التي يمكن استخراجها والانتفاع بها.

وإن من البواعث التي حرَّكته لفتح السودان ما رآه من أن سعادة مصر متوقفة على استحواذه عليه وضمِّه إلى ملكه؛ لأن ريف مصر متوقف ريُّه على روافد النيل العليا؛ ولذلك أصبح من المحتم أن يكون النهر وروافده تحت سلطة واحدة، ليمكنها بذلك توزيع المياه على حسب الحاجة مع مراعاة المصلحة العامة.

ولما عزم محمد علي على إنفاذ رأيه، ورأى أن فتح السودان أمرٌ من العِظَم بمكان، سيَّر جيشًا بادئ بَدء إلى واحة سيوة لإخضاعها قبل الزحف على السودان، حتى لا تكون مصدر شرٍّ بجواره، فسار هذا الجيش الصغير ، فأخضع سكان الواحة، وصارت جزءًا متممًا لمصر من ذلك الوقت.

أما حملة السودان:

 فإنها ابتدأت السير من ، وكانت مؤلفة من ثلاثة آلاف راجل، وألف وخمسمائة فارس، واثني عشر مدفعًا، وخمسمائة من عرب العبابدة تحت إمرة شيخهم "عابدين كاشف" - وكان قد وعده محمد علي بولاية دنقلة بعد فتحها - فتجمع الجيش في أسوان، حيث رُتِّبت هناك الميرة والذخيرة.

مع تمنياتى بالسعادة

 

عبدالرحمن مجدي - Abdo magdy
بواسطة : عبدالرحمن مجدي - Abdo magdy
انا عبدالرحمن 🥰 بحب الطبخ جدا 💖وبحب اجرب اكلات جديده وغريبه 😋
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-