القضاء على المماليك
إصلاح شئون الدولة:
لَمَّا
وثق الباب العالي من محمد علي أراد أن يستخدمه في إصلاح شئون الدولة، فأول أمر
كلَّفه إياه إخضاع طائفة الوهابيين الذين كانوا يتدخلون في أمر الحج، واحتلوا
الحرمين الشريفين وسلبوهما. ولهذه الطائفة مذهب خاص سنتناول الكلام عليه فيما بعد.
فجاءت الأوامر إلى محمد علي بإخضاع هؤلاء القوم، فاضطُر أن يُعِدَّ جيشًا أعظم
عددًا وأكثر تدرُّبًا من الجيش الذي عنده، وأن يكون له أسطول لنقل الجنود في البحر
الأحمر، فوجد أن لا مندوحة من زيادة الضرائب إلى درجة أقصت عنه كل من كان ملتفًّا
حوله، ولقد كان مركزه إذ ذاك غاية في الخطر، فرأى أن لا يتحرك بجيشه إلى محاربة
الوهابيين قبل أن يقضيَ على البقية الباقية من المماليك، وخاصةً بعد أن ظهر له
أنهم جميعًا مزمعون على قتله. وكان قد رأى أولًا أن يتفق معهم، وأرسل لهذا الغرض
حسين باشا الأرناءوطي يبلغهم أنه يعطيهم كل ضِياعهم، فأبَوْا ذلك، ففكر في قهرهم
بحد السيف، فحاربهم في موقعة عند أسيوط انهزم فيها جيشه، إلا أن المماليك انتكث
فتلهم وتفرقوا ثانية في طول البلاد وعرضها،. ولم تمضِ مدة يسير حتى خُدع شاهين بك
- رئيس المماليك بعد موت الألفي - واحتال لذلك محمد علي بمنحه كل الأراضي التي على
ضفة النيل اليسرى من الجيزة إلى بني سويف وفيها الفيوم؛ فخضع كل المماليك اقتداءً
به، ووقَّعوا على شروط الصلح في سلخ ، ورجعوا إلى القاهرة واتخذوا مساكنهم في
قصورهم كما كانوا من قبل.
تعرف على محمد على ورئاسة الجند وقضائه على المماليك وتوصيد سلطته على مصر
تعرف على شخصية نيلسون ولويس الرابع عشر واهم اعماله
تخليص الحرمين الشريفين من أيدي الوهابيين:
وكان
شغل محمد علي الشاغل في هذه الأثناء تخليص الحرمين الشريفين من أيدي الوهابيين،
إلا أنه لم يجرؤْ على تسيير جندي واحد إلى بلاد العرب ما دامت المماليك تهدد
ولايته وتناصبه العداء، وكان على يقين من وثوبهم به في أول فرصة تتغيب فيها
الأتراك عن البلاد، وقد تمثل له جليًّا مبلغ تحفزهم لقتله غِيلة عندما وافته
الأخبار وهو في مدينة السويس مهتمًّا بشئون الحملة إلى بلاد العرب من "محمد
بك لاظ الكخية" يحذِّره من المماليك، وكانوا يريدون اغتياله وهو راجع إلى
القاهرة؛ فأخذ الحيطة، وبدلًا من مكثه في السويس إلى اليوم الذي ضربه لرجوعه تركها
في غَلَس الظلام على ظهر نجيب سريع العَدْو غير معلنٍ أحدًا وجهتَه، ووصل القاهرة
في فجر اليوم الثاني يصحبه أربعة من الخدم؛ فهذه المؤامرة وغيرها جعلته يفكر في
القضاء عليهم بأية وسيلة قبل أن يسبقوه إلى ذلك.
وفي شهر
صفر جمع محمد علي جيشًا مؤلَّفًا من جندي في القاهرة تحت قيادة "طوسون باشا"
ثاني أولاده، لغزو بلاد العرب وإخضاع الوهابيين، ورأى أنه لا بد قبل مسير الحملة
من الديار من الاحتفال بها وتسليم وسام الشرف السلطاني له، فدعا في اليوم المضروب
جميع ضباط الجيش والأعيان، وعددًا عظيمًا من الجند، ثم دعا جميع المماليك
ورؤسائهم، وأعدَّ لهم وليمة فاخرة تذكارًا لهذا اليوم المشهود، فاجتمع الجميع في
القلعة في يوم الجمعة خامس صفر - أول مارس - وكان عدد من حضر من المماليك يقرب من
الخمسمائة.
الغرض الحقيقي من
دعوة المماليك:
وكان
الغرض الحقيقي من دعوة المماليك التخلُّص من شرهم ودسائسهم، فأسرَّ محمد علي بذلك
إلى "حسن باشا" و"صالح قوج" الأرناءوطيين فقط، وفي صبيحة هذا
اليوم أسرَّ به إلى "إبراهيم أغا" - حارس الباب - فنُظِّم الموكب في
القلعة على الترتيب الآتي:
ابتدأ
الموكب بعساكر الدلاة، ثم تبعهم العساكر الإنكشارية، ثم الجنود الألبانية بقيادة
صالح قوج، وتلاهم المماليك، ففرقة من الجنود النظامية. فلما سار الموكب وانفصل
الدلاة ومَن خلفهم من الإنكشارية عند باب العزب، أمر صالح قوج بإغلاق الباب وأشار
إلى طائفته بالمقصود، فأعملوا السيف في رقاب المماليك، وقد انحصروا جميعهم في
المضيق المنحدر، وهو الحجر المقطوع في أعلى باب العزب - بين الباب الأسفل والباب
الأعلى - الذي يُتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة. وكان قد جهز محمد علي عددًا من
الجند على الحجر والأسوار، فلما بُدئ بالضرب من أسفل أراد المماليك التقهقر فلم
يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا؛ وذلك لوجود خيلهم في مضيق صغير جدًّا لا يسع جوادين
جنبًا إلى جنب، وقد أعمل جنود محمد علي فيهم السيف قتلًا وفتكًا حتى فني كل من كان
منهم في القلعة.
هروب المماليك:
ولما
قُتل شاهين بك كبير المماليك وعلم الناس بهذا الخبر أغلقوا الحوانيت، وصارت
العساكر بعد ذلك تنهب وتسلب في جميع أنحاء العاصمة بدعوى البحث عمن هرب من
المماليك للفتك بهم، ولَمَّا علم محمد علي بما ارتكبه الجنود من السلب، والنهب،
ركب جواده ونزل بشخصه يمنع العسكر من ارتكاب هذه الجرائم. وقد حذا حذوه ابنه طوسون
باشا في إيقاف الجنود عند حدها. ويقال إن محمد علي كان في شدة الوجل خوفًا من خيبة
تدبيره، وكان قد أعد الخيل للهرب إذا لم يفلح.
وفي
أثناء حدوث هذه الحوادث في القاهرة أصدر في الوقت نفسه أوامره لكل حكام المديريات
بقتل من يعثرون عليه من المماليك؛ فكان مجموع من قُتل منهم بالقاهرة والمديريات
يزيد على الألف. وهكذا انقرضت هذه الطائفة التي عاثت في الأرض فسادًا أكثر من ستة
قرون، أذاقت في خلالها المصريين كل صنوف الذل والعذاب.
الحروب الوهابية في
بلاد العرب
من أعظم
الثورات المشهورة، وأكبر الفتن الدينية التي شاهدتها بلاد العرب من عهد القرامطة،
الثورة التي أضرم نارها الوهابيون؛ وذلك أنهم أثبتوا في حماستهم العسكرية وشجاعتهم
البدوية صفات العرب القديمة وتمسُّكهم بالدين. ومؤسس هذه النهضة رجل اسمه
"عبد الوهاب" من بني تميم بنجد، وقد أُطلق على ما كان متمسكًا به من
العقيدة "المذهب الوهابي".
ولد عبد
الوهاب صاحب هذا المذهب في قرية تُسمَّى "العُيَيْنَة" من إقليم
"العارِض". وقد جاور في أثناء شبابه بمكة والمدينة ومعظم مدن المشرق
المشهورة، وخاصة البصرة. ولما رأى في أثناء سياحاته العديدة أن الدين الحقيقي
داخله الفساد، وتسلطت عليه البدع والمنكرات، عزم على إصلاح ما أفسده المفسدون.
وكانت قواعد مذهبه وسياسته على غاية من الإيجاز في الإصلاح الإسلامي، وهي أشبه
بالإصلاح البروتستنتي عند المسيحيين.
وكان
الوهابيون في عقيدتهم ومذهبهم على طريق أهل السُّنة والجماعة، والأساس الأصلي
لمذهبهم هو توحيد الله، واعتقاد أن النبي ? إنسان أدَّى ما يجب عليه من إبلاغ
الرسالة، ورفض جميع تفاسير القرآن التي لم تأتِ من طريق السُّنة، ومن معتقداتهم أن
الناس عند الله سواء، وكلهم عباده، أكرمُهم عنده أتقاهم وأصلحهم في أعماله،
وبنَوْا على هذا الاعتقاد أن الاستغاثة بالذين تُوُفُّوا من الأولياء الصلحاء
والأنبياء إثمٌ عند الله، وبدعة حدثت في الدين يجب استئصالها وإزالة كل أثر
يُقوِّيها، كالتناصيب التي على القبور والقباب وما أشبهها، فأزالوها وحرَّموا
زيارتها والتوجه إليها والاستغاثة عندها. ويرَوْن أن الحلف بسيدنا محمد ? جريمة
كبرى، ويلعنون مَن يُكثر من الخضوع للموتى لعنًا مؤبدًا، ولا يلفظون بلفظ
"سيد" للنبي ? في صلاتهم.
أما
آدابهم فهي على نقاء وصفاء؛ إذ يحرِّمون جميع الموائع المسكرة وكل المواد المخدرة،
ويحرِّمون جميع أنواع الفجور والفسق والعدول عن الحق والإنصاف والعمل بالحيل
والخداع والاغتصاب والمقامرة. أما في شهامة التعصب الحقيقي للدين فإنهم يغارون على
كل صغيرة مخلة بالدين الحق، ووجَّهوا أيضًا جُلَّ قوتهم إلى تحريم الملابس
الحريرية، والترف في العيش، وحلق الرأس، والبكاء والنحيب على الميت.
ولما
أراد عبد الوهاب نشر مذهبه قام في وجهه أناس كثيرون واضطهدوه، ففرَّ هاربًا إلى
"الدرعية"، وهي إحدى مدن نجد وعلى بُعد ??? ميل من شرق المدينة، فحماه
"محمد بن سعود" حاكمها، ومال إلى مذهبه فاعتنقه وعمل على نشره، وكان
غرضه من ذلك أن يمدَّ سلطانه على البلاد العربية، فاتخذ ذلك وسيلة إلى مطامعه
الشخصية، فامتد سلطانه وسلطان ابنه "عبد العزيز" على جميع بلاد نجد من.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن عبد الوهاب عاش حتى رأى مذهبه منتشرًا في طول البلاد
وعرضها، وتُوفِّي بعد أن بلغ من العمر الخامسة والستين تقريبًا، تاركًا ثمانية عشر
ولدًا من عشرين زوجة.
تعرف على كليبر و كل ما تريد معرفته عن تولى الخديوى إسماعيل حكم عرش مصر
ولقد
أقلق بالَ شريف مكة انتشارُ مذهب عبد الوهاب وازدياد نفوذ عبد العزيز بن سعود في
البلاد العربية، فجرَّد في حملة على عبد العزيز كان نصيبها الفشل.
ولما
أمن عبد العزيز جانب شريف مكة - لأنه كان لا يقوى على مقاومته - وجَّه جُل عنايته
إلى نشر مذهب الوهابية، وتوسيع نطاق ملْكه في وادي الفرات ودجلة، فلم يوفَّق إلى
ذلك لأن واليَ بغداد هزمه هزيمة منكرة، وإن كان لم يقتفِ أثره في أواسط بلاد العرب
خوفًا من هلاك جيشه في وسط الصحراء؛ ومن ذلك الحين لم يجرؤْ عبد العزيز على محاربة
والي بغداد، إلا أنه قام وهاجم "كربلاء" وقتل رجالها، واستحيا نساءها،
وانتهك حرمة ضريح الحسين وسلب أشياء كثيرة. وفي العام التالي دخل مكة بدون معارضة
من شريفها "غالب"، وكان تركها وانحاز إلى جدة.
وفي نفس
العام قام أحد المتعصبين من الأعجام واغتال عبد العزيز وهو يصلي، انتقامًا لما
ارتكبه من الفظائع في كربلاء، فقام بأعباء الملك بعده ابنه "سعود
الثاني"، وهو أعظم رجال هذه الأسرة؛ إذ وصلت في عصره مملكة الوهابيين إلى أوج
عزها ومجدها. وقد دخل في السنة التي تولى فيها الضريحَ النبوي، ونهب كل ما فيه من
الكنوز؛ ومن هذا العهد أصبحت بلاد العرب كلها تحت سلطانه، ثم ابتدأ يتشدد في جمع
الضرائب، حتى كره الناس حجَّ بيت الله الحرام، ومن غلوه في مذهبه أنه أغلق أبواب
جميع القهوات وحرَّم شرب الدخان ولبس الحرير وغيره مما يُتزيَّن به.
ومما
سبق يُعلَم أن ما كُلفه محمد علي من قِبل الباب العالي كان في الحقيقة فتح بلاد
العرب للدولة من جديد، وكان بقاؤه على ولاية مصر متوقفًا على نجاحه في إخضاع
الوهابيين.
تعرف على شخصية نابليون بونابرت واهم انجازاته
مع تمنياتى بالسعادة