غزوة بني قينقاع
فقد أرسل الله النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لهداية الناس إلى سبيل الحق والرشاد والبعد عن سبل الضلال، لكن أبى الكثير من المشركين تقبُّل الدين الإسلامي، وحاربوه طويلًا عبر سلسلة من
المعارك والغزوات بينهم وبين المسلمين.
اليهود في المدينة المنورة قبل بعثة
النبي -صلى الله عليه وسلم:
كانت اليهود جزءًا من
بنية المجتمع المدني للعرب، وخاصة في المدينة المنورة، فقد كان بها بنو النضير
وبنو قينقاع وبنو قريضة، كان اليهود بصفتهم أصحاب ديانة سماوية، كانوا على انتظار
النبي خاتم الأنبياء والمرسلين أن يخرج منهم، ولكن فوجئوا بأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- رجلًا عربيًا قرشيًا، فثارت غيرتهم وأحقادهم ومكرهم، واتفقوا على ألا
يؤمنوا به ولا يتبعونه، فظهرت أولى نعراتهم مع المسلمين في السنة الثانية الهجرية،
وكان يهود بني قينقاع هم بداية شرارة اليهود في المدينة المنورة.
متى واين وقعت غزوة بني قينقاع:
.وقعت
في شوال سنة 2 هــ ولمدة خمسة عشر يوما، وقد جرت غزوة بني قينقاع بيثرب جنوب
المدينة المنورة
من قائد غزوة بني قينقاع ، ومن حمل
اللواء:
الرسول
الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد حمل اللواء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
اسباب غزوة بني قينقاع :
بدأ
الإسلام يشتد عوده، ويؤسس دولته، وذلك بعد الهجرة النبوية الشريفة، ومنذ أن أسس
محمد -صلى الله عليه وسلم- دولته، آخى بين المهاجرين والأنصار وأقام العهود
والمواثيق مع أهل المدينة من المشركين واليهود ونظّم أمور السوق، وقد خاض المسلمون
في أوائل تأسيس دولتهم غزوة بدر، وأظفرهم الله على عدوهم بها،
محاولة
بنو قينقاع، وهم من يهود المدينة المعروفين بالقتال وكراهية الإسلام، التحرش
بالمسلمين ورسولهم الحبيب صلى الله عليه وسلم، كان اليهود يبثون الدعايات الكاذبة،
ويؤمنون وجه النهار ثم يكفرون آخره، ليزرعوا بذور الشكوك في قلوب الضعفاء، ويضيقوا
سبل العيش على المؤمنين إن كان لهم بهم ارتباط مالي، وكانت تلك فعلتهم قبل
بدر رغم المعاهدة التي عقدوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ["السيرة النبوية" لابن
هشام 1661]
وبعد
الضغينة والعزلة التي أحدثتها بهم غزوة بدر، وما تبعها من سيل المؤامرات والدسائس
من قبل الكفار، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم »يا معشر يهود احذروا من
الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة«أي ببدر «وأسلموا، فإنكم قد عرفتم
أني مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله تعالى إليكم، قالوا: يا محمد إنك ترى أنا
قومك -أي: تظننا أنا مثل قومك-، ولا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت
لهم فرصة، إنا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس» وفي لفظ «لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا» أي لأنهم كانوا أشجع اليهود وأكثرهم
أموالا وأشدهم بغيا، فأنزل الله تعالى {قل للذين كفروا
ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} [آل عمران: 12]،وأنزل
الله {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال:
58].
فحرّك
هذا مشاعر النزعة والحقد والخبث عند يهود بني قينقاع، وبدأت تظهر الشحناء
بتصرفاتهم.
كانت الشرارة التي أدت إلى حدوث غزوة بني
قينقاع هي ما فعلوه بالمرأة المسلمة بالسوق، روى ابن هشام في سيرته:
"أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها (ما
يُجْلب للسوق لبيعه)، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها
على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ـوهي غافلةـ
فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله
ـوكان يهوديًاـ، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على
اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع". ["زاد المعاد" لابن القيم 271]
أحداث غزوة بني قينقاع
قام
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالتحرك نحو بني قينقاع، واستعمل رسول
الله صلى الله عليه وسلم على المدينة الصحابي أبا لبابة بن عبدالمنذر، وكان لما
رآه اليهود قد جاء بجنود الله تحصنوا بحصونهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا
على حكمه في رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، بعد أن حاصرهم 15 يوما، وكانوا 700
مقاتل، وقد أمر الرسول بأن يكتفوا، واستعمل رسول الله على كتافهم المنذر بن قدامة
السلمي
وهنا
حاول عبد الله بن أبي سلول التشفع لهم من القتل عند النبي الحبيب صلى الله عليه
وسلم قائلا "يا محمد، أحسن في موالي" وكررها مرارا، وقد أسماهم عترته
ومواليه. وبرواية ابن اسحق فقد وضع ابن سلول يده في جيب درع رسول الله صلى الله
عليه وسلم من خلف، فقال له النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ويحك أرسلني، وغضب حتى
احمر وجهه، وقيل أنه بعد إلحاح أبي سلول استجاب الرسول لتركهم دون ان يؤذيهم مع
نفيهم خارج المدينة، ولعنهم هم وابن سلول، وتم تنفيذ الأمر واتجهوا شمالا إلى
الشام حيث أقاموا بأذرعاتبالشام، تاركين أموالهم وأسلحتهم وأدوات صياغتهم وكانوا
أهل حدادة، بعد ثلاثة ليال مهلة، وكان محمد بن مسلمة هو من تولى جمع الغنائم منهم.
ووجد
في منازلهم سلاحا كثيرا، أي لأنهم كما تقدم أكثر يهود أموالا وأشدهم بأسا، وأخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسيّ،قوسا يدعى الكتوم: أي لا يسمع
له صوت إذارماه، وقوسا يدعى الروحاء،وقوسا يدعى البيضاء، وأخذ درعين: درعا يقال له
السغدية، ويقال إنها درع داود التي لبسها حين قتل جالوت، والأخرى يقال لها فضة،
وثلاث أرماح، وثلاثة أسياف، ووهب درعا لمحمد بن مسلمة، ودرعا لسعد بن معاذ رضي
الله عنهما.
["الطبقات"
لابن سعد 218]
وكان
موقف الصحابي عبادة بن الصامت، وكان حليفا ليهود بني قينقاع، التبرؤ منهم ومن
حلفهم بعد غدرهم بالمسلمين. وهو من كلفه النبي صلى الله عليه وسلم بالإشراف على
عملية إجلاء اليهود، وفي ابن الصامت نزلت الآية {يا أيها
الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}إلى
قوله {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم
الغالبون} [المائدة:56].
نتائج غزوة بني قينقاع:
إجلاء
يهود بني القينقاع عن المدينة لغدرهم بالمسلمين ونقضهم العهد معهم، وقيل أن اليهود
لم يلبثوا إلا قليلا حتى هلكوا بمنفاهم. وقد قسم الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم
الغنيمة بن أصحابه وخمسها، أي اقتطع الخمس بحسب التوجيه الإلهي لله ورسوله
والمسلمين ذوي الحاجات، وخرج إلى المصلي فصلي بالمسلمين، فكانت أول صلاة عيد، وضحى
صلى الله عليه وسلم بشاتين، وقيل بشاة، وضحى معه المسلمون.
[غزوات
الرسول" لعبد الحميد شاكر .]
ما الدرس المستفاد من غزوة بني قينقاع :
اليهود
أشد الناس عداوة بالمسلمين، وقد أظهروا ذلك بعد غزوة بدر، التي نصر الله فيها
عباده المؤمنين، كما يستفاد أن إظهار البأس مع أعداء الله يكون هو العلاج الناجع
إذا ما استحالت العهود والمواثيق، ويستفاد أن ولاء المسلم لله ورسوله صلى الله
عليه وسلم وتبرؤه من كل من
يحارب دينه، كما فعل عبادة بن الصامت.
مع تمنياتى بحب الله ورسوله