غزوة
السويق
غزوة السويق:
مع نهاية غزوة بدر وانتصار جيش المسلمين
انتصاراً كاسحاً على كفّار مكة، كان أبو سفيان من الأشخاص الذين لم يشهدوا بدر،
وبينما كان اليهود والمنافقون يخططون لمؤامراتهم ضد النبي وأصحابه، كان أبو سفيان
في غاية الغضب الكبير من المسلمين لقتلهم ابنه والمقرّبون له في غزوة بدر، فأقسم
أبو سفيان ألّا يمسّ الماءُ رأسه حتى يغزو النبي ويذهب إلى المدينة لفعل ذلك.
والسَّوِيق هو:
قمح أو شعير يغلى ثم
يطحن ويخلط بماء أو سمن أو عسل ويتزود به، وقد ألقى وطرح المشركون خلفهم في هذه
الغزوة الكثير من السويق، والذي عثر عليه المسلمون في طريق مطاردتهم لهم،
قال ابن هشام: "وإنما سُمِّيَت غزوة السَّوِيق لأن أكثر ما طرح
القوم من أزوادهم السَّوِيق، فرجع المسلمون بسويق كثير".
وقد ذكر غزوة السَّوِيق ابن
هشام في "السيرة النبوية"، وابن سعد في "الطبقات
الكبرى"، وابن سيد الناس في "عيون الأثر"، وابن القيم في
"زاد المعاد" وغيرهم،
وقت الغزوة:
كانت
غزوة السويق التي حدثت في السنة الثّانية للهجرة المباركة.
لماذا سميت غزوة السويق بهذا الاسم :
حدثت
هذه الغزوة في عام 2 للهجرة، ومفادها أنّ أبا سفيان حلف يمينًا ألّا يتطهّر من
جنابة، ولا يمس الدهن جلده حتّى يثأر من محمّد رسول اللّٰه-صلّى اللّٰه عليه
وسلّم-من وقعة بدر الكبرى التي قُتل فيها كبراء قريش وزعمائهم من المشركين، فخرج
في مئتي راكب إلى المدينة فيما عُرف لاحقًا باسم غزوة السويق، ولمّا بقي بينه وبين
المدينة ثلاثة أميال وجد رجلًا من الأنصار واسمه معبد بن عمرو، فقتله أبو سفيان،
وحرق أبياتًا هناك وتِبنًا، ورأى بذلك أنّه قد برّت يمينه، فولّى هاربًا.
ولمّا وصل الخبر إلى النبيّ-صلّى اللّٰه عليهوسلّم-خرج في مئتين من أصحابه، ولكنّ أبا سفيان قد علم بخروج النّبيّ-صلّى اللّٰه
عليه وسلّم-في أثره، فجعل يرمي مؤونته هو ورجاله، وكانت جرب السّويق، وهو قمح أو
شعير يُقلى ثمّ يطحن ليُسفّ تارة بماء وتارة بسمن، وأخرى بسمن وعسل، فلمّا وصل
النّبيّ-صلّى اللّٰه عليه وسلّم-وأصحابه وجدوا أنّ القوم قد فرّوا، فأخذ المسلمون
ما وجدوه من متاع القوم الهاربين، ولذلك سُمّيت هذه الغزوة غزوة السويق، وقد
استخلف رسول اللّٰه-صلّى اللّٰه عليه وسلّم-على المدينة أبا لبابة، وعاد
النّبيّ-صلّى اللّٰه عليه وسلّم-بعد خمسة أيّام.
اسباب الغزوة:
في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من العام الثاني للهجرة
النبوية الشريفة، كانت غزوة بدر، التي انتصر فيها المسلمون على المشركين انتصاراً
عظيما، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}(آل
عمران:123).
قال ابن كثير:
"أي: يوم بدر،
وكان في يوم جمعة وافق السابع عشر من رمضان، من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم
الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشرك وخرب محله". وقد
تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة لجيشها في بدر بالحزن الشديد، وأثر ذلك فيهم أثراً
سيئاً، وملأ قلوبهم وبيوتهم همّاً وغمّاً، فقد لقي سبعون منهم مصرعهم، وعلى
رأسهم أبو جهل، وأمية بن خلف، وحنظلة بن أبي سفيان، وعبيدة
والعاص ابنا سعيد بن العاص، وعقبة بن أبي معيط .. وغيرهم من قادتهم وزعمائهم، كما
أُسِرَ سبعون منهم، ولذلك لم يكن من المُتَوَقَع أبداً أن يتلقى المشركون في مكة
هزيمتهم من المسلمين بالقبول والاستسلام، ولذلك فمِن لحظة رجوعهم من بدر
أعلنوا أن يوم الانتقام قريب، حتى أن أبا سفيان ـ قائد المشركين في بدر
ـ نذر ألا يمسَّ رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً صلى الله عليه وسلم
للانتقام، ومن ثم تعجل القيام بعمل سريع يعيد به إلى قريش مكانتها وهيبتها التي
فقدتها في بدر، وينتقم به من المسلمين، فخرج في مائتي راكب من قريش وذلك في ذي
الحجة من السنة الثانية للهجرة، أي:
بعد غزوة بدر بشهرين،
فيما عُرِف في السيرة النبوية بغزوة السَّوِيق،
قوات الطرفين :
المسلمون :
قوة مطارة خفيفة ، بقيادة النبي صلى الله عليه
وسلم .
المشركون :
200
فارس بقيادة أبي سفيان بن حرب .
الهدف من الغزوة :
مطاردة أبي سفيان للقضاء على قوته .
احداث الغزوة:
وفيها:
"حين رجع (أبو سفيان) إلى مكة، ورجع فَلُّ قريش
(القوم المنهزمون) من بدر، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة (الغسل من الجنابة كان
معمولاً به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم) حتى يغزو محمداً صلى
الله عليه وسلم، فخرج في مائتي راكب من قريش، لِيَبَرَّ يَمِينَه، فسلك
النَّجْدِيَّة، حتى نزل بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلى جبل يقال له: ثَيْبٌ، من المدينة على
بَرِيدٍ (تسعة عشر كيلو متر) أو نحوه، ثم خرج من الليل، حتى أتى بني النضير تحت
الليل، فأتى حيي بن أخطب، فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له بابه وخافه،
فانصرف عنه إلى سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، وكان سيد
بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم (المال الذين كانوا يجمعونه لنوائبهم وما
يعرض لهم)، فاستأذن عليه، فأذن له، فقراه (قدم له طعام الضيف) وسقاه، وبطن له من
خبر الناس (أعلمه من أسرار المسلمين، خيانة منه)، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى
أصحابه، فبعث رجالا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها، يُقال لها: الْعَرِيض
(واد بالمدينة به أموالا لأهلها)، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ (مجموعة) مِنْ نَخْلٍ
بها، ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحلِيفاً له فِي حَرْثٍ لهما، فقتلوهما، ثُمَّ
انصرفوا راجعين.
فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج في أثرهم يطلبهم
في مائتين من المهاجرين والأنصار، واستعمل على المدينة أبا لبابة بشير بن عبد
المنذر رضي الله عنه، فجعل أبو سفيان وأصحابه يلقون جُرَب (جمع
جراب، وهو وعاء من جلد) السويق، وهي عامة أزوادهم، يتخففون منها للنجاء (للهرب
بسرعة)، حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ (ماء لبني
سليم قريبة من المدينة)، ثم انصرف راجعاً إلى المدينة، وقد فاته أبو
سفيان وأصحابه، وَقَدْ رأوْا أزْوَاداً منْ أَزْوَادِ الْقَوْم قَدْ طرحوها
في الْحَرْث يَتَخَفَّفُون منها للنَّجاء، فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أتطمع لنا أن تكون غزوة؟ قال: نعم".حرصت
قريش منذ مصيبتها ونكبتها في بدر على الأخذ بثأرها من المسلمين، فلم تغنها غزوة
السويق شيئاً، بل زادها فرارها المشين عاراً جديداً على عارها في بدر، وأضاع
مقداراً كبيراً من تمويناتهم ـ السويق ـ والذي سُمِّيَت الغزوة به.
سلك أبو سفيان طريق النجدية حتى نزلوا حي بني
النضير ليلا ، واستقبلهم سلام بن مشكم سيد بني النضير، فأطعمهم وأسقاهم وكشف لهم
عن أسرار المسلمين ، وتدارس معهم إحدى الطرق لإيقاع الأذى بالمسلمين ،
قام أبو سفيان بمهاجمة ناحية العُرَيْض
"وادٍ بالمدينة في طرف حرة واقم" فقتل رجلين وأحرق نخلاً وفر عائدًا إلى
مكة ، فتعقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار،
ولكنه لم يتمكن من إدراكهم ؛ لأن أبا سفيان ورجاله قد جدوا في الهرب ، وجعلوا يتخففون
من أثقالهم ويلقون السويق التي كان يحملونها لغذائهم ، وكان المسلمون يمرون بهذه
الجرب فيأخذونها، حتى رجعوا بسويق كثير، وحينها عاد النبي صلى الله عليه وسلم ومن
معه إلى المدينة المنورة، وتمكنوا من الحصول على ما طرحه أبو سفيان وأصحابه من
متاعهم وزادهم، ولهذا سميت هذه الغزوة بغزوة السويق، والتي جرت في شهر ذي الحجة من
السّنة الثانية للهجرة النبوية، أي بعد غزوة بدر بشهرين تقريباً.
نتائج الغزوة:
على صغرها وعدم حدوث قتال فيها ـ أشعرت المشركين في مكة،
واليهود والمنافقين في المدينة المنورة، والأعراب خارج مكة والمدينة، أن دولة
المسلمين الجديدة دولة قوية، وأن المسلمين أشداء أقوياء، ولن يصدهم عن
دينهم ودعوتهم إليه شيء، وهذا من باب إعداد وإظهار القوة للذين يكيدون للإسلام
ويتآمرون عليه، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (الأنفال:60).
ثم إن غزوة السويق
وغيرها من غزوات وسرايا صغيرة، كانت دورات تربوية وعسكرية للصحابة رضوان الله
عليهم، فقد كان المنهج النبوي يهتم بتربية الصحابة في المسجد، بتهذيب الأخلاق،
وتزكية النفوس، وتنوير العقول، ولا يغفل عن تربيتهم وإعدادهم كذلك في ميادين
القتال والجهاد من خلال السرايا والغزوات وإن صغرت، ومن ثم جمع المنهج النبوي
الكريم بين التربية الأخلاقية والتربية العسكرية، حتى يثبت ويقوى المجتمع المسلم
الجديد، ويقوم بدوره بنشر الإسلام في آفاق الدنيا كلها .
مع تمنياتى برضا الله